لكن متى يشرع جهاد الطلب؟
نقول بأنَّ جهاد الطلب يشرع إذا كان هناك مَن يقف أمامَ الدَّعوة إلى الله - عزَّ وجلَّ - ويَحول دون تبليغ الإسلام، والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يبعث مَن يُبلغ المسلمين، فإذا كان هناك أحد يَمتنع من الإسلام ونحو ذلك، أو يكون حائلاً دون تبليغ دعوة الإسلام، فإنه يُجَاهَد في هذه الحالة، وهذا هو جهاد الطَّلب، وقبل أن يُجَاهد، فهو يخير بين أمورٍ ثلاثة: إمَّا الإسلام، وإمَّا الجزية، وإما القتال.
وقد ذكر ابنُ القيم في "زاد المعاد": أنَّ الجهادَ أربعُ مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.
فجهاد النفس أربع مراتب أيضًا:
إحداها: أنْ يُجاهدها على تعلُّم الهدى، ودين الحق الذي لا فلاحَ لها، ولا سعادةَ في معاشِها ومَعادِها إلا به، ومتى فاتها علمه، شقيت في الدَّارين.
الثانية: أنْ يُجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلاَّ فمُجرد العلم بلا عمل إن لم يضرَّها لم ينفعها.
الثالثة: أن يُجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه، ولا ينجيه من عذاب الله.
الرابعة: أنْ يُجاهدها على الصبر على مشاقِّ الدَّعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمَّل ذلك كله لله، فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من الربَّانيِّين، فإنَّ السلفَ مُجمِعون على أنَّ العالم لا يستحقُّ أنْ يُسمَّى رَبَّانِيًّا حتى يعرف الحقَّ ويعمل به ويعلمه. فمن علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات.
وأما جهاد الشيطان فمرتبتان:
إحداهما: جهاده على دفع ما يُلقي إلى العبد من الشُّبهات والشكوك القادحة في الإيمان.
الثانية: جهاده على دفع ما يُلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، فالجهاد الأول يكون بعده اليقين، والثاني يكون بعده الصبر؛ قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24]، فأخبر أنَّ إمامة الدين إنَّما تنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات.
مراتب جهاد الكفار والمنافقين:
وأمَّا جهاد الكفار والمنافقين، فأربعُ مراتبَ: بالقلب، واللسان، والمال، والنفس، وجهاد الكفار أخصُّ باليد، وجهاد المنافقين أخصُّ باللسان.
جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات:
وأمَّا جهاد أرباب الظُّلم والبدع والمنكرات، فثلاثُ مراتب: الأولى: باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقلبه، فهذه ثلاثَ عَشْرَةَ مرتبة من الجهاد، و((من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق))؛ رواه مسلم.
هذه بعضُ معالِم الجهاد في سبيل الله - تعالى - ولكنَّ الجهادَ القتالِيَّ هذا مع العدو قد يُفْرَض أحيانًا؛ لأنهم دخلوا ديارَ المسلمين عُنْوَة، واقتحموا حُرماتِهم وأعراضِهم، واستحلوا دماءَهم وأموالهم، فهذا النوعُ من الجهاد لا حاجةَ فيه لأمير، ولا أن يستأذن فيه؛ لأنَّه صار فرضَ عين على كُلِّ المسلمين في ذلك البلد، على قولِ كثير من أهل العلم.
أمَّا الخروج للجهاد والفتح والطلب فله شأن آخر، ويكون على الأُمَّة الإسلامية عندما تؤهل للخلافة الراشدة أو الإمارة المسلمة، وتتملك الأمة زمامَ القيادة والحركة والدَّعوة، فهذا له شروطه وضوابطه، التي ينبغي الوقوف عندها والفهم لها، حتى لا نَخلط المسائل، ونأتي بالضرر للأمة من حيث نريد النفع لها.
ومع ذلك: يَجب أن نتصدى اليومَ بما نستطيعه من وسائل المجاهدة لأعداء الله في كلِّ ديار الإسلام: ببيان حقيقة منهج الإسلام الحنيف، وقُوَّة عقيدتِه وأخلاقِه وتشريعاتِه، وصلاحيتها وسُمُوِّها في قيادة الناس والعالم كله من جديد، وأنْ نتصدَّى لهم بنشر العلم الشرعي، وَفْقَ منهج الكتاب والسنة الصحيحة، ومنهج السلف الصالح - عليهم رضوان الله تعالى - وجمع الناس على ذلك.
وأن نُعْنَى بتربية الشباب المسلم على الفروسِيَّة والاستعداد للفتح الإسلامي والجهاد في سبيل الله تعالى.
وأنْ نرد شكوكهم وأباطيلَهم التي يريدون بها زعزعة الإسلام والشريعة في قلوب المسلمين، وأنْ نستخدمَ كلَّ متاحٍ ومُباح وَفْقَ منهج الله - تعالى - في نشر دعوة الإسلام، بمفهومها الصحيح الشمولي المتوازن، وأنْ نصبرَ على كيد الكافرين والمنافقين، حتى يأتِيَ وعد الله لنا بالنصر والتمكين: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ﴾ [المجادلة: 21]، ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 173].